تكوين –
برج بابل
إن كان الله قد تدخل لتجديد العالم بمياة الطوفان ، فعوض أن يستجيب الإنسان بالحب والأتكاء على صدر الله إتكأ على ذاته ، وأراد أن يقيم لنفسه برجا من صنع يديه يحتمى فيه من قرارات الله نحوه . وكأن هذا البرج يمثل الفلسفات المعاصرة – خاصة الوجودية – التى ترى فى الله أنه يكتم أنفاس الإنسان ويحرمه حريته ، وكأن مجد الله يقوم على مذلة الإنسان ، وقوة الله على حساب كرامة بنى البشر ، فحسبوا أنه لا مناص من التخلص من هذا الإله بتأليه الذات والهروب من الله للتمتع بكمال الحرية .
( 1 ) برج بابل :
" وكانت الأرض كلها لسانا واحدا ولغة واحدة " ( ع 1 ) .
الأصحاح السابق تحدث عن مواليد نوح وظهور الأمم والشعوب ، كل أمة لها لسانها ، هنا نرى كيف أن الأرض كانت كلها لسانا واحدا ولغة واحدة ، وكيف حدثت البلبلة بعد ذلك وصار لكل شعب لسانه أو لغته .
هناك من يقول أن اللغة الوحيدة كانت هى العبرية ، ونادى فريق آخر بأنها الكلدانية ( السريانية ) – على أى الأحوال لا يمكن الجزم أو تحديد لغة العالم الواحدة التى كانت وقتئذ .
كانت لغة الأنسان الأول هى لغة الحب ، الذى لا يعرف الأنقسام ؛ تخاطب بهذه اللغة مع الله والملائكة وجميع السمائيين ... وخلال لغة الحب كان الأنسان منسجما حتى مع الخليقة غير الناطقة فينطق الكل معا بروح الشكر لله والتسبيح له . أما وقد سقط الأنسان فى العصيان خسر لغة الحب والوحدة ، ولم يستطع اإنسان أن يتحدث مع الله بفرح وبهجة ولا أن يشترك مع السمائيين فى ليتورجياتهم ولا أن ينسجم حتى مع الخليقة غير الناطقة .
" وحدث فى ارتحالهم شرقا أنهم وجدوا بقعة فى أرض شنعار وسكنوا هناك ، وقال بعضهم لبعض هلم نصنع لبنا ونشويه شيا ، فكان لهم اللبن مكان الحجارة ، وكان لهم الحمر مكان الطين . وقالوا : هلم نبن لأنفسنا مدينة وبرجا رأسه بالسماء ، ونصنع لأنفسنا إسما لئلا نتبدد على وجه كل الأرض " ( ع 2 – 4 ) .
عرف الإنسان كيفية صنع الطوب الأحمر من الطين مثلما يحدث فى مصر ، وبدلا من أن يشكروا الله على هذه المعرفة الجديدة فى الحياة ، كانت خطتهم البشرية هو تدبير إقامة مدينة وبرج مرتفع حتى إذا ما حل الطوفان مرة أخرى ، يجدون لأنفسهم ملجأ من تأديبات الله القاسية . وكأنهم لم يثقوا فى ميثاق الله مع نوح وحسبوا الله غير أمين فى مواعيده .
يرى القديس أغسطينوس أن نمرود هو الذى أسس هذه المدينة التى دعيت بابل ( تك 10 : 9 ، 10 ) ، فحينما تحدث الكتاب المقدس عنه قال أن بداية مملكته كانت بابل ( تك 10 : 10 ) ، أما قول الكتاب :
" فنزل الرب لينظر المدينة والرج اللذين كان بنو آدم ( البشر ) يبنوها "( ع 5 ) – فيعلق القديس أغسطينوس قائلا بأن الذين يبنون هم بنو البشر : [ لم يكونوا أبناء الله ، إنما كانت هذه الجماعة تعيش بطريقة بشرية ، والتى ندعوها " مدينة أرضية " ] . أما عن القول :
" نزل الرب لينظر " فلا يعنى المفهوم الحرفى للعبارة ، وكأنه بهذا تصير حضرته ملموسة
( 2 ) مواليد سام
يقدم لنا القديس أغسطينوس تفسيرا لذكر نسل سام بعد الحديث عن الطوفان وإنشاء مدينة بابل مباشرة إذ يقول ، فكما جاء من نسل حام من يقيم بابل رمز المدينة الأرضية ، هكذا جاء من نسل سام من يقيم مدينة الله – والآن بعد أن كشف الكتاب المقدس عن المدينة الأرضية أى بابل ، يعود إلى الأب سام ليخلص الأجيال النازلة منه حتى إبراهيم .... .
( 3 ) إبرام ولوط
بعدما عرض مواليد سام بلغ إلى ابراهيم وإبن أخيه لوط اللذين وجدوا فى أور الكلدانيين .... وبظهور إبراهيم يظهر أب الآباء لينال وعدا وميثاقا من الله ، بنسله تتبارك كل الأمم ...
ظهر إبراهيم فى أور الكلدانيين ويبدو أن عائلته أيضا كانت تعبد آلهة غريبة ، ولم يكن فى العالم كله من يعبد الله الحى غير إبراهيم ، إذ قيل : " آباؤكم سكنوا فى عبر النهر منذ الدهر ، تارح أبو إبراهيم وأبو ناحور وعبدوا آلهة أخرى ، فأخذت إبراهيم أباكم من عبر النهر وسرت به فى كل أرض كنعان وأكثرت نسله وأعطيته إسحق " ( يش 24 : 2 ، 3 ) .
الأصحاح الحادى عشر
برج بابل
إن كان الله قد تدخل لتجديد العالم بمياة الطوفان ، فعوض أن يستجيب الإنسان بالحب والأتكاء على صدر الله إتكأ على ذاته ، وأراد أن يقيم لنفسه برجا من صنع يديه يحتمى فيه من قرارات الله نحوه . وكأن هذا البرج يمثل الفلسفات المعاصرة – خاصة الوجودية – التى ترى فى الله أنه يكتم أنفاس الإنسان ويحرمه حريته ، وكأن مجد الله يقوم على مذلة الإنسان ، وقوة الله على حساب كرامة بنى البشر ، فحسبوا أنه لا مناص من التخلص من هذا الإله بتأليه الذات والهروب من الله للتمتع بكمال الحرية .
( 1 ) برج بابل :
" وكانت الأرض كلها لسانا واحدا ولغة واحدة " ( ع 1 ) .
الأصحاح السابق تحدث عن مواليد نوح وظهور الأمم والشعوب ، كل أمة لها لسانها ، هنا نرى كيف أن الأرض كانت كلها لسانا واحدا ولغة واحدة ، وكيف حدثت البلبلة بعد ذلك وصار لكل شعب لسانه أو لغته .
هناك من يقول أن اللغة الوحيدة كانت هى العبرية ، ونادى فريق آخر بأنها الكلدانية ( السريانية ) – على أى الأحوال لا يمكن الجزم أو تحديد لغة العالم الواحدة التى كانت وقتئذ .
كانت لغة الأنسان الأول هى لغة الحب ، الذى لا يعرف الأنقسام ؛ تخاطب بهذه اللغة مع الله والملائكة وجميع السمائيين ... وخلال لغة الحب كان الأنسان منسجما حتى مع الخليقة غير الناطقة فينطق الكل معا بروح الشكر لله والتسبيح له . أما وقد سقط الأنسان فى العصيان خسر لغة الحب والوحدة ، ولم يستطع اإنسان أن يتحدث مع الله بفرح وبهجة ولا أن يشترك مع السمائيين فى ليتورجياتهم ولا أن ينسجم حتى مع الخليقة غير الناطقة .
" وحدث فى ارتحالهم شرقا أنهم وجدوا بقعة فى أرض شنعار وسكنوا هناك ، وقال بعضهم لبعض هلم نصنع لبنا ونشويه شيا ، فكان لهم اللبن مكان الحجارة ، وكان لهم الحمر مكان الطين . وقالوا : هلم نبن لأنفسنا مدينة وبرجا رأسه بالسماء ، ونصنع لأنفسنا إسما لئلا نتبدد على وجه كل الأرض " ( ع 2 – 4 ) .
عرف الإنسان كيفية صنع الطوب الأحمر من الطين مثلما يحدث فى مصر ، وبدلا من أن يشكروا الله على هذه المعرفة الجديدة فى الحياة ، كانت خطتهم البشرية هو تدبير إقامة مدينة وبرج مرتفع حتى إذا ما حل الطوفان مرة أخرى ، يجدون لأنفسهم ملجأ من تأديبات الله القاسية . وكأنهم لم يثقوا فى ميثاق الله مع نوح وحسبوا الله غير أمين فى مواعيده .
يرى القديس أغسطينوس أن نمرود هو الذى أسس هذه المدينة التى دعيت بابل ( تك 10 : 9 ، 10 ) ، فحينما تحدث الكتاب المقدس عنه قال أن بداية مملكته كانت بابل ( تك 10 : 10 ) ، أما قول الكتاب :
" فنزل الرب لينظر المدينة والرج اللذين كان بنو آدم ( البشر ) يبنوها "( ع 5 ) – فيعلق القديس أغسطينوس قائلا بأن الذين يبنون هم بنو البشر : [ لم يكونوا أبناء الله ، إنما كانت هذه الجماعة تعيش بطريقة بشرية ، والتى ندعوها " مدينة أرضية " ] . أما عن القول :
" نزل الرب لينظر " فلا يعنى المفهوم الحرفى للعبارة ، وكأنه بهذا تصير حضرته ملموسة
( 2 ) مواليد سام
يقدم لنا القديس أغسطينوس تفسيرا لذكر نسل سام بعد الحديث عن الطوفان وإنشاء مدينة بابل مباشرة إذ يقول ، فكما جاء من نسل حام من يقيم بابل رمز المدينة الأرضية ، هكذا جاء من نسل سام من يقيم مدينة الله – والآن بعد أن كشف الكتاب المقدس عن المدينة الأرضية أى بابل ، يعود إلى الأب سام ليخلص الأجيال النازلة منه حتى إبراهيم .... .
( 3 ) إبرام ولوط
بعدما عرض مواليد سام بلغ إلى ابراهيم وإبن أخيه لوط اللذين وجدوا فى أور الكلدانيين .... وبظهور إبراهيم يظهر أب الآباء لينال وعدا وميثاقا من الله ، بنسله تتبارك كل الأمم ...
ظهر إبراهيم فى أور الكلدانيين ويبدو أن عائلته أيضا كانت تعبد آلهة غريبة ، ولم يكن فى العالم كله من يعبد الله الحى غير إبراهيم ، إذ قيل : " آباؤكم سكنوا فى عبر النهر منذ الدهر ، تارح أبو إبراهيم وأبو ناحور وعبدوا آلهة أخرى ، فأخذت إبراهيم أباكم من عبر النهر وسرت به فى كل أرض كنعان وأكثرت نسله وأعطيته إسحق " ( يش 24 : 2 ، 3 ) .
+ + +