تكوين -
فلك نوح
احتلت قصة الطوفان مركزا رئيسيا فى تاريخ الخلاص وتجديد العالم بالماء ، إذ أعلن الله :
" نهاية كل بشر قد أتت قدامى " ، لا ليبيد الإنسان وإنما ليجدد العالم ، فيحول كارثة الطوفان إلى خير أعظم للبشرية التى ألقت بنفسها فى الهلاك الأبدى ، هكذا جاء الطوفان فى الخارج يكشف عن طوفان الخطية المدمر للنفس فى الداخل .
( 1 ) أبناء الله وبنات الناس :
" وحدث لما أبتدأ الناس يكثرون على الأرض وولد لهم بنات ، أن أبناء الله رأوا بنات الناس أنهن حسنات ، فاتخذوا لأنفسهم نساء من كل ما اختاروه " ( ع 1 ، 2 ) .
حذرنا الرسول بولس بقوله : " لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين ، لأنه أية خلطة للبر والإثم ؟! وأية شركة للنور مع الظلمة ؟! وأى اتفاق للمسيح مع بليعال ؟! " [ 2 كو 6 : 14 ، 15 ] .
جاء تعبير " أبناء الله " فى الترجمة السبعينية " الملائكة " ؛ وقد انحرف البعض فى التفسير الحرفى لهذا الموضوع بأن الملائكة نزلوا من السماء وتزوجوا من بنات الناس !!
أولا : إن كلمة " إنجيلوس " فى اليونانية تعنى [ رسول ] ، وكأن تعبير " ملائكة " هنا يشير إلى خدام الله ، وكأن أولاد الله أو خدامه قد انشغلوا بالزواج بشريرات عوض إنشغالهم بخدمة الله .
ثانيا : إن قول الرسول بطرس : " لأنه إن كان لم يشفق على ملائكة قد أخطأوا بل فى سلاسل الظلام طرخهم فى جهنم وسلمهم محروسين للقضاء " [ 1 بط 2 : 4 ] ، لا يعنى سقوطهم فى شهوات جسدية مع نساء بشريات ، إنما سقوطهم قبل خلق الإنسان فى الكبرياء .
ثالثا : إن ما قصده الكتاب سواء ملائكة أو أبناء الآلهة إنما يعنى أبناء شيث الذين كان ينبغى أن يعيشوا كملائكة الله وخدامه ، فإذ بهموينجذبون إلى بنات قايين الشريرات لجمالهن الجسدى ، لقد أعلن الله عدم رضاه لقوله :
" لا يدين روحى فى الإنسان إلى الأبد لزيغانه هو بشر ، وتكون أيامه مئة وعشرين سنة " ( ع 3 )
تحقق هذا الوعد بالتدريج بعد الطوفان ، وإن كان قد سمح للبعض أن يعيشوا أكثر من مئة وعشرين لكنهم بلا حيوية ...
( 2 ) نوح البار
" ورأى الرب أن شر الإنسان قد كثر فى الأرض وأن كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم . فحزن الرب أنه عمل الإنسان فى الأرض ، وتأسف فى قلبه ، فقال الرب أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذى خلقته ، الإنسان مع بهائم ودبابات وطيور السماء ، لأنى حزنت أنى عملتهم " ( ع 5 – 7 ) .
لم يكن ممكنا لله القدوس أن يطيق الشر الذى كثر على الأرض ، ولا يتحمل الإلتقاء مع النفس التى خلقها كمسكن له أن يرى تصورها شريرا كل يوم ، لهذا حزن أنه صنع الإنسان فى الأرض . وحينما يقول الكتاب : " حزن " أو " تأسف قلبه " أو " ندم " ، لا نفهم هذه التعبيرات كإنفعالات غضب ، إنما هى لغة الكتاب الموجهة لنا نحن البشر لكى نفهم وندرك مرارة الخطية فى ذاتها وعدم إمكانية الشركة بين القداسة الإلهية والفساد الإنسانى .
العجيب أنه وسط هذه الصورة المؤلمة التى أعلنها الله من جهة البشر ، لا يتجاهل إنسانا واحدا يسلك بالبر وسط جيل شرير ، إذ يقول الكتاب : " وأما نوح فوجد نعمة فى عينى الله " ( ع 8 ) . لقد وجد نوح نعمة فى عينى الرب الذى شهد له : " كان نوح رجلا بارا كاملا فى أجياله " ( ع 9 ) . أما قوله : " فى أجياله " فتكشف أن بره وكماله ليسا مطلقين ، إنما لو قورنا بما يقدمه أجياله من فساد ، فالإنسان بره نسبى .
( 3 ) فساد الأرض :
" وفسدت الأرض أمام الله وامتلأت الأرض ظلما .... إذ كان كل بشر قد أفسد طريقه على الأرض " [ ع 11 ، 12 ] . نلاحظ تكرار كلمة " الأرض " فى هذا الأصحاح وهذا يكشف عن اشتياق الله أن يرى فى الحياة البشرية سمة سماوية .
( 4 ) فلك نوح :
كشف الله لعبده البار نوح ما كان مزمعا أن يفعله ، إذ قال له : " نهاية كل بشر قد أتت أمامى ، لأن الأرض إمتلأت ظلما منهم ، فها أنا مهلكهم مع الأرض " .
الله هو الصديق المحب الذى يحاور الإنسان ويكشف له حكمته وأسراره ، لقد كشف لنوح البار أن الهلاك هو ثمرة طبيعية لفساد هم اختاروه .
أهمية الفلك :
نرى فى كتابات الآباء وأقوالهم أهمية الفلك بكون أن الطوفان رمزا لعمل التجديد للطبيعة البشرية ، والفلك رمزا للصليب الذى حمل السيد المسيح معلقا لأجلنا ، فحمل فيه الكنيسة التى هى جسده المقدس ، كان لا بد من هلاك العالم القديم [ اإنسان القديم ] فى مياة المعمودية ليقوم العالم الجديد أو الإنسان الجديد الذى على صورة خالقه يحمل جدة الحياة أو الحياة المقامة فى المسيح يسوع [ رو 6 : 3 ، 4 ] .
نوح وعائلته داخل الفلك : يقول العلامة أوريجانوس : [ بصعودنا خلال أدوار الفلك المختلفة نصل إلى نوح نفسه الذى يعنى ( نياح ) أو ( بر ) ، فنوح هو يسوع المسيح ، إذ لا ينطبق على نوح القديم قول لامك أبيه : " هذا يعزينا عن عملنا وتعب أيدينا من قبل الأرض التى لعنها الرب " [ تك 5 : 29 ] ... أنظروا إلى ربنا يسوع المسيح الذى قيل عنه : " هوذا حمل الله الذى يرفع خطية العالم " [ يو 1 : 29 ] ..... ها أنتم ترونه بالحقيقة يهب راحة للبشرية ، ويخلص الأرض من اللعنة .
الأصحاح السادس
فلك نوح
احتلت قصة الطوفان مركزا رئيسيا فى تاريخ الخلاص وتجديد العالم بالماء ، إذ أعلن الله :
" نهاية كل بشر قد أتت قدامى " ، لا ليبيد الإنسان وإنما ليجدد العالم ، فيحول كارثة الطوفان إلى خير أعظم للبشرية التى ألقت بنفسها فى الهلاك الأبدى ، هكذا جاء الطوفان فى الخارج يكشف عن طوفان الخطية المدمر للنفس فى الداخل .
( 1 ) أبناء الله وبنات الناس :
" وحدث لما أبتدأ الناس يكثرون على الأرض وولد لهم بنات ، أن أبناء الله رأوا بنات الناس أنهن حسنات ، فاتخذوا لأنفسهم نساء من كل ما اختاروه " ( ع 1 ، 2 ) .
حذرنا الرسول بولس بقوله : " لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين ، لأنه أية خلطة للبر والإثم ؟! وأية شركة للنور مع الظلمة ؟! وأى اتفاق للمسيح مع بليعال ؟! " [ 2 كو 6 : 14 ، 15 ] .
جاء تعبير " أبناء الله " فى الترجمة السبعينية " الملائكة " ؛ وقد انحرف البعض فى التفسير الحرفى لهذا الموضوع بأن الملائكة نزلوا من السماء وتزوجوا من بنات الناس !!
أولا : إن كلمة " إنجيلوس " فى اليونانية تعنى [ رسول ] ، وكأن تعبير " ملائكة " هنا يشير إلى خدام الله ، وكأن أولاد الله أو خدامه قد انشغلوا بالزواج بشريرات عوض إنشغالهم بخدمة الله .
ثانيا : إن قول الرسول بطرس : " لأنه إن كان لم يشفق على ملائكة قد أخطأوا بل فى سلاسل الظلام طرخهم فى جهنم وسلمهم محروسين للقضاء " [ 1 بط 2 : 4 ] ، لا يعنى سقوطهم فى شهوات جسدية مع نساء بشريات ، إنما سقوطهم قبل خلق الإنسان فى الكبرياء .
ثالثا : إن ما قصده الكتاب سواء ملائكة أو أبناء الآلهة إنما يعنى أبناء شيث الذين كان ينبغى أن يعيشوا كملائكة الله وخدامه ، فإذ بهموينجذبون إلى بنات قايين الشريرات لجمالهن الجسدى ، لقد أعلن الله عدم رضاه لقوله :
" لا يدين روحى فى الإنسان إلى الأبد لزيغانه هو بشر ، وتكون أيامه مئة وعشرين سنة " ( ع 3 )
تحقق هذا الوعد بالتدريج بعد الطوفان ، وإن كان قد سمح للبعض أن يعيشوا أكثر من مئة وعشرين لكنهم بلا حيوية ...
( 2 ) نوح البار
" ورأى الرب أن شر الإنسان قد كثر فى الأرض وأن كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم . فحزن الرب أنه عمل الإنسان فى الأرض ، وتأسف فى قلبه ، فقال الرب أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذى خلقته ، الإنسان مع بهائم ودبابات وطيور السماء ، لأنى حزنت أنى عملتهم " ( ع 5 – 7 ) .
لم يكن ممكنا لله القدوس أن يطيق الشر الذى كثر على الأرض ، ولا يتحمل الإلتقاء مع النفس التى خلقها كمسكن له أن يرى تصورها شريرا كل يوم ، لهذا حزن أنه صنع الإنسان فى الأرض . وحينما يقول الكتاب : " حزن " أو " تأسف قلبه " أو " ندم " ، لا نفهم هذه التعبيرات كإنفعالات غضب ، إنما هى لغة الكتاب الموجهة لنا نحن البشر لكى نفهم وندرك مرارة الخطية فى ذاتها وعدم إمكانية الشركة بين القداسة الإلهية والفساد الإنسانى .
العجيب أنه وسط هذه الصورة المؤلمة التى أعلنها الله من جهة البشر ، لا يتجاهل إنسانا واحدا يسلك بالبر وسط جيل شرير ، إذ يقول الكتاب : " وأما نوح فوجد نعمة فى عينى الله " ( ع 8 ) . لقد وجد نوح نعمة فى عينى الرب الذى شهد له : " كان نوح رجلا بارا كاملا فى أجياله " ( ع 9 ) . أما قوله : " فى أجياله " فتكشف أن بره وكماله ليسا مطلقين ، إنما لو قورنا بما يقدمه أجياله من فساد ، فالإنسان بره نسبى .
( 3 ) فساد الأرض :
" وفسدت الأرض أمام الله وامتلأت الأرض ظلما .... إذ كان كل بشر قد أفسد طريقه على الأرض " [ ع 11 ، 12 ] . نلاحظ تكرار كلمة " الأرض " فى هذا الأصحاح وهذا يكشف عن اشتياق الله أن يرى فى الحياة البشرية سمة سماوية .
( 4 ) فلك نوح :
كشف الله لعبده البار نوح ما كان مزمعا أن يفعله ، إذ قال له : " نهاية كل بشر قد أتت أمامى ، لأن الأرض إمتلأت ظلما منهم ، فها أنا مهلكهم مع الأرض " .
الله هو الصديق المحب الذى يحاور الإنسان ويكشف له حكمته وأسراره ، لقد كشف لنوح البار أن الهلاك هو ثمرة طبيعية لفساد هم اختاروه .
أهمية الفلك :
نرى فى كتابات الآباء وأقوالهم أهمية الفلك بكون أن الطوفان رمزا لعمل التجديد للطبيعة البشرية ، والفلك رمزا للصليب الذى حمل السيد المسيح معلقا لأجلنا ، فحمل فيه الكنيسة التى هى جسده المقدس ، كان لا بد من هلاك العالم القديم [ اإنسان القديم ] فى مياة المعمودية ليقوم العالم الجديد أو الإنسان الجديد الذى على صورة خالقه يحمل جدة الحياة أو الحياة المقامة فى المسيح يسوع [ رو 6 : 3 ، 4 ] .
نوح وعائلته داخل الفلك : يقول العلامة أوريجانوس : [ بصعودنا خلال أدوار الفلك المختلفة نصل إلى نوح نفسه الذى يعنى ( نياح ) أو ( بر ) ، فنوح هو يسوع المسيح ، إذ لا ينطبق على نوح القديم قول لامك أبيه : " هذا يعزينا عن عملنا وتعب أيدينا من قبل الأرض التى لعنها الرب " [ تك 5 : 29 ] ... أنظروا إلى ربنا يسوع المسيح الذى قيل عنه : " هوذا حمل الله الذى يرفع خطية العالم " [ يو 1 : 29 ] ..... ها أنتم ترونه بالحقيقة يهب راحة للبشرية ، ويخلص الأرض من اللعنة .